اخبار عربية وعالميةاسليدرمقالات واراء

أطماع الدب الروسي في الكعكة السورية

احجز مساحتك الاعلانية

د. علاء عبد الحميد
كاتب و محلل سياسي

روسيا قوة عظمى وعضو دائم في مجلس الأمن تتصرف وفق مصالحها الاقليمية والدولية، هكذا تحركت بسوريا وأوكرانيا بشكل خاص وفي العلاقات الدولية بشكل عام، فعندما يرى بوتين ان هناك توجها دولياً ينبئ بتحولات استراتيجية جوهرية في الشرق الأوسط،

لاسيما بعد اعتراف الإدارة الأمريكية بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية المحتلة، فإن من الطبيعي أن يحرك أدواته السياسية وأن تنخرط قواته العسكرية في هذه اللعبة الاستراتيجية لترسيخ النفوذ الروسي بالشرق الأوسط من ناحية وللحفاظ على المكاسب التي حققتها موسكو من احتلال جزيرة القرم على البحر الأسود من ناحية أخرى. فقد اتّخذت روسيا قرارها بالانخراط في الأزمة السورية منذ ارهاصاتها الأولى وفق قاعدة اغتنام الفرص ودرء المخاطر،

حيث اعتبرتها موسكو فرصة ذهبية لإعادة تموضعها في الشرق الأوسط في ظل حالة الارتباك و التردد التي إتسمت بها إدارة أوباما في البيت الأبيض، وفي ذات السياق إعادة بلورة دورها بوصفها قوة عظمى انطلاقًا من البوابة الدمشقية.

وبعد تطورات إدلب الأخيرة ومفاوضات بوتين وأردوجان أصبح الملف السوري بالنسبة لموسكو هو الرهان الأهم في السياسة الخارجية الروسية، وهو يحتل المرتبة الأولى في سلم الأولويات.

فقد خدعت روسيا من قبل “شركائها” في الغرب وذلك من خلال القرار 1976 الذي مهد لقصف ليبيا من قبل الناتو والإطاحة بنظام حليف هو نظام القذافي وبالتالي تراهن الآن، ومنذ عدة أعوام، حتى لا تفقد حليفاً آخر هو نظام الأسد وتخسر هذه الحرب.

فهي تملك قوة عسكرية ضاربة إضافة لقوة نفطية وغازية جديدة تدعّم موقفها في أي تحركات بالشرق الأوسط في خضم موقف عربي مشرذم و مهلهل، وتحظى أيضًا بمساندة حليف صيني بات أكثر مباشرة بعد حرب إقتصادية عنيفة مع إدارة ترمب.

روسيا و مكافحة الارهاب
فبعد ضمها إلى شبه جزيرة القرم تعرضت روسيا من دول الغرب لانتقادات سياسية لاذعة ولعقوبات اقتصادية قاسية لن يكون من السهل التخلص منها إلا إذا تمكنت موسكو من الظهور بمظهر من يكافح الإرهاب ووأد الجماعات الأصولية المنبثقة من الأزمة في سوريا.

هذا الإرهاب الذي فشل التحالف الدولي بزعامة أمريكا في وضع حد له مما سيجعل روسيا محل احترام وتقدير في المجتمع الدولي، ويصرف اهتمامه عن أحداث أوكرانيا، وسيدفع إلى تأييد الجهود الروسية مما سيؤدي بها إلى الطلب برفع العقوبات التي ستنهض بالاقتصاد الروسي المتعثر.

يترافق ذلك مع إدراك روسيا أن فقدانها لنفوذها التقليدي في سورية بعدما فقدت حضورها في ليبيا أمر سيقلص من حضورها الاستراتيجي شرق أوسطيا وعربيا ولا سيما أن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والدول التي تدور في فلكهم هم الذين حاربوا موسكو من قبل في أفغانستان وهم الذين يواجهون نظام الأسد وأن ما حدث في طرابلس الليبية لن يتكرر بأي حال من الأحوال في دمشق السورية وهذا ما دلل عليه من موقفها في مجلس الأمن واستخدامها حق الفيتو ضد أي قرار يدين نظام الأسد.

لقد كانت لسوريا ولا تزال أهمية استراتيجية لا يمكن التفريط بها بالنسبة إلى روسيا، وبناءً عليه هددت روسيا مرارًا أي دولة يمكن أن تستبيح الأراضي السورية بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي.

أهمية الأزمة للنظام الروسي
• خوف موسكو أن يسهم سقوط نظام بشار الأسد في تهديد النفوذ الاستراتيجي الروسي في الشرق الأوسط أو فقدان قاعدتها العسكرية الوحيدة على البحر المتوسط، هو الحافز الأكبر على إنخراطها في الصراع السوري.

فلروسيا نقطة ضعف منذ بدايتها كقوة عظمى في القرن 18 وهي عدم قدرتها على الوصول إلى المياه الدافئة، فكل ممراتها متجمدة وفي ذات السياق قامت روسيا بتأجير قاعدة طرطوس البحرية في سبعينيات القرن الماضي، ويلاحظ أن روسيا كان لديها العديد من القواعد البحرية في الشرق الأوسط لا سيما مصر وأثيوبيا وفيتنام غير أنه لم يبقَ منها جميعًا سوى ميناء طرطوس الأمر الذي يضفى عليه أهمية استراتيجية بالنسبة للسفن البحرية الروسية الموجودة في البحر المتوسط.

كما أن قاعدة طرطوس البحرية تستخدم لعدة أغراض مثل مكافحة القرصنة البحرية في هذه المناطق وشحن الأسلحة والذخائر الروسية للقوات السورية المقاتلة.

إضافة إلى ذلك إن سقوط الأسد سيؤثر سلبًا على هيبتها ونفوذها الدولي وخاصة على ضوء العلاقات السلبية مع المعارضة ناهيك عن تزايد الانكشاف السياسي لإيران.

• إضافة لذلك قلق روسيا من تزايد قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على اتباع سياسة استراتيجية لمحاصرتها في أوروبا الشرقية وبحر قزوين.

• من جهة أخرى خشية روسيا أن يسهم إضعاف المحور السوري–الإيراني الذي يشكل جزءًا أساسيا في استراتيجية روسيا لمواجهة المد الأمريكي ألأوروبي، والدور التركي الصاعد في الشرق الأوسط وما يترتب عليه من تعرض روسيا لعزلة دبلوماسية وخسارة نفوذها تدريجيا في الشرق الأوسط.

• تخوف روسيا من أن تكون الدول الأوروبية قادرة على تجنب استيراد الغاز الروسي والحصول عليه من بلدان أخرى في شمال أفريقيا وآسيا لا سيما الغاز القطري، مما يعرض روسيا لخسائر اقتصادية كبيرة وعجز في الميزان التجاري فينعكس سلبًا على دورها السياسي، وهذا ما أكده وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في 17 مايو 2013، فرأى أن سوريا تعد من أهم دول الشرق الأوسط وأن زعزعة الاستقرار فيه سيكون له عواقب وخيمة على المنطقة برمتها.

التدخل العسكري الروسي في سوريا
• ورثت روسيا عن الاتحاد السوفياتي وجودًا عسكريا في سوريا تميز بوجود قاعدة بحرية في طرطوس على البحر المتوسط لا يمكن لروسيا التخلي عنها أو تقليص وجودها فيها وإلا فقدت عاملًا أساسيًّا يضعُها في مصاف الدول غير المؤثرة في الساحة الدولية،

وبخاصة أن المرافئ الروسية تبقى مياهها غير صالحة للملاحة معظم أيام أشهر السنة باستثناء ميناء سيباستوبول في شبه جزيرة القرم على البحر الأسود وهو مقر أسطول البحر الأسود وهذا ما شكل سببًا موجبًا للكرملين لاحتلال وضم شبه جزيرة القرم،

إلا أنّ هذا الإجراء يبقى ذا جدوى محدودة من دون وجود قاعدة بحرية في المياه الدافئة على المتوسط تؤمن الأعمال اللوجستية من صيانة وتعهد وإصلاح وإمداد وإخلاء وغير ذلك من موجبات التأمين اللوجستي للصراع العسكري لاستدامة المهام القتالية.

• و في ذات السياق العمل على إنشاء قاعدة جوية في مدينة اللاذقية القريبة من أكبر قاعدة عسكرية بريطانية في المتوسط بقبرص، إضافة إلى أن هذه القواعد الروسية ستكون مجاورة لحدود حلف شمال الأطلسي من جهة الجنوب مما يعني تغييرًا استراتيجيًّا في توازنات الجغرافيا السياسية بالمنطقة.

وختاماً :
إستفادت موسكو من توغلها في كل مفاصل الأزمة السورية وأثبتت روسيا بقيادة القيصر بوتين أنها رقم صعب لا يمكن تجاوزه في المعادلة الدولية وبإمكانها التأثير الفعال في مجريات الأحداث والأزمات الدولية المختلفة.

فقد أغلق الوجود العسكري الروسي الباب أمام استمرارية استئثار القوى الإقليمية الوازنة بالصراعات السياسية وإدارتها، بعدما فتح الباب أمام عودة البعد الدولي لهذه الصراعات من الآن فصاعدًا، ولم تعد الصراعات الداخلية في منطقة الشرق الأوسط حكرًا على القوى الإقليمية الفاعلة إيران وإسرائيل وتركية أو الفوضى الخلاقة التى تحدثت عنها كونداليزا رايس في 2005.

كما استفادت موسكو من الحفاظ على المصالح الروسية في الشرق الأوسط وبقاء أسطولها في المياه الدافئة.

هناك رسائل عديدة من وراء التدخل العسكري الروسي في الأزمة السورية ومنها إجهاض دعوات تغيير الأنظمة في الشرق الأوسط التي تخشى موسكو أن تطالها، وأيضاً استخدام سوريا كورقة ضاغطة على الغرب مقابل الورقة الأوكرانية، وتعزيز إطلالتها الاستراتيجية على البحر المتوسط، التي ربما تكون إرهاصات العودة للحرب الباردة.

رئيس التحرير

المشرف العام على موقع العالم الحر

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button